''الخبر'' تستكشف الطريق السيار من مغنية إلى جبل الوحش
المشروع الذي سيوقظ ملايين الجزائريين ويفتح عيونهم على المستقبل
14-01-2012الجزائر: نوار سوكو
ما كان قبل نحو ثلاثين عاما حلما، تحول اليوم إلى حقيقة، حيث دخل مشروع الطريق السيار
الممتد من الحدود الجزائرية المغربية إلى الحدود الجزائرية التونسية، على مسافة 1216
كلم، الخدمة بنسبة قاربت 95 بالمائة، فيما ينتظر أن يتم تسليمه نهائيا خلال الثلاثي
الأول من سنة 2012، حسب وزارة الأشغال العمومية. هذا المشروع الذي ينتظر أن يؤمّنه
ليلا ونهارا تعداد من الدركيين قوامه 1300 دركي وتضمن تغطيته 12 مروحية، استوفى كامل
مواصفاته الدولية بناحية الغرب، فيما لا يزال منقوصا من الرتوشات الأخيرة على طول
المقطع الذي دخل الخدمة إلى غاية قسنطينة بينما تقدمت الأشغال بين سكيكدة والقالة بشكل
كبير. هذا الطريق سيخرج ملايين الجزائريين من عزلتهم ويفتح عيونهم على آفاق صيرورتهم
المستقبلية. الذين سيسلكون الطريق سيجربون معنى الوطن، سيجدونه غنيا بأراضيه وشموسه
وبحاره ووديانه وجباله وسهوله بجماله وخيراته، في وقت نصنع ''قوارب للموت'' توصلنا
إلى بلاد الصقيع هروبا من الفقر.
في عملية استكشاف لما أنجز من مشروع القرن، انطلقنا ذات صباح في حدود الساعة السادسة
والنصف من الكاليتوس بالعاصمة، على مستوى الطريق الاجتنابي الثاني للعاصمة، باتجاه
الحدود الجزائرية المغربية، وصلنا إلى محول السويدانية بدائرة زرالدة، وكنا نهم بدخول
الطريق السيار شرق غرب على خلفية أننا استعنّا باللوحة الضخمة التي تؤشر إلى الاتجاه
المؤدي إلى ولاية وهران، إلا أننا ضللنا الطريق ووجدنا أنفسنا في طريق العودة إلى
العاصمة، ونفس المصير لقيه عشرات المواطنين ممن كانوا يريدون دخول رواق الطريق السيار،
والسبب يعود لغياب اللوحات المؤشرة بشكل واضح للنقطة المفترض الانحراف منها لدخول
الطريق السيار، ذلك، لأن الكيفية التي كتبت بها إشارات اللوحات بالقرب من المحول ليست
لها فاعلية في توجيه أصحاب العربات، كونها لا تتضمن لا عدد الكيلومترات ولا الرمز الذي
يشير على أصحاب العربات بالدخول إلى الطريق السيار.
المهم، أن الدخول إلى رواق مشروع القرن يبدأ من إقليم دائرة الدويرة، مرورا
بالبليدة، حيث ينتظر أن يعاد تأهيل جزء هام من الطريق السيار قريبا في هذه
الولاية، في إطار ما تسميه وزارة الأشغال العمومية البرنامج الخاص بالطريق السيار،
ولكن الرحلة تبدأ عندما تقدم لك الطبيعة نفسها فوق جسور متلاصقة بمنطقة واد جر،
جسور أشبه ما تكون بسرير معلق، هو جسر عملاق يترجم التحدي الذي رفع هناك لمواجهة
الخصوصية الجيولوجية والعوائق التي واجهتها الشركات هناك.
الخوف يغيّر معسكره بواد جر
والحقيقة أن فرع مقطع الطريق السيار الممتد من العفرون إلى الحسينية بعين الدفلى،
يتشكل من سلسلة من الجسور عددها 31 جسرا، بينها 13 جسرا ضخما، يتراوح طول الواحد
منه بين 130متر و450 متر. هكذا غيّر الخوف معسكره بواد جر على حد قول عدد من سائقي
سيارات الأجرة، ممن مازالوا يحتفظون بصور في مخيلتهم الجماعية مرادفة للمحرقة والمذبحة
بفعل الكمائن المزيفة التي كانت تنصبها فلول الجماعات الإرهابية المستفيدة من صعوبة
شريط التضاريس الطبيعية الممتدة من البليدة إلى عين الدفلى، ولكن الوادي اختزل اليوم
في جسر بوسعك أن تسير فوقه بسرعة 120 ك/س، حتى أن هؤلاء اعتبروا فتح هذه المقاطع من
الطريق السيار بمثابة واحدة من علامات الاستقلال الحقيقية للجزائر، على اعتبار أنه حرر
المواطنين من الخوف وفتح لهم آفاق إمكانات العمل المستقبلي.
محطتا خدمات عين الدفلى في طور الإنجاز
المناظر الطبيعية من واد جر إلى خميس مليانة وصولا إلى عين الدفلى، تشد الإنسان بحبائل
سحرية سرية، فمرة تقدم نفسها في ربوة ومرة في جبال منحوتة ومرات في وديان وسهول
وغابات، وزاد من جمالها استيفاء الطريق للمعايير البيئية وللمواصفات الدولية، سواء
من حيث تهيئته وتسييجه أو من حيث نوعية الخرسانة التي زفت بها. ولكن مقابل ذلك، لم
نعثر على أي مركز للراحة أو مطعم أو محطة للتزود بالوقود على جانبي الطريق، ماعدا
محطة الخدمات التي وجدنا الأشغال جارية لإنجازها ببلدية تيبركانين على بعد 22 كيلومترا عن
مدينة عين الدفلى.
محطة الخدمات الواقعة على جانبي الطريق السيار وتتولى إنجازها شركة ''جي سي بي''
التابعة لنفطال، حسب أقوال أحد المسؤولين المشرفين على الأشغال، ستتوفر على كامل
المواصفات التي تسير بها محطة منطقة يلل بولاية غليزان، من محطة وقود إلى محلات للمواد
الغذائية ومشروبات ومطعم ومحطة لتشحيم السيارات وحمام ومصلى ومحطة أخرى لغسل
السيارات وتشحيمها، فضلا عن أماكن للتوقف، وتتربع على مساحة تقدر بـ12 هكتارا،
وينتظر أن تدخل الخدمة خلال شهر جوان المقبل. بينما أنهيت الدراسات الخاصة بإنجاز محطتي
خدمات بمنطقة جليدة بولاية عين الدفلى، واحدة بالشمال وأخرى بالجنوب، ويرتقب أن تشرع
شركة (جي سي بي) التابعة لنفطال قريبا في الإنجاز، أي بمجموع أربع محطات، ثلاثة منها
ثابتة تتوفر على كامل المواصفات والأخرى متنقلة.
الفقراء والبطالون يستنجدون بالطريق السيار
واللافت أيضا قبل وصولنا ببضعة كيلومترات إلى منطقة بوراشد بعين الدفلى، أن الطريق
السيار ''استثمره'' من هزمتهم الظروف الاجتماعية، وهي عائلات نابت عنها بنات تتراوح
أعمارهن بين 10 و15 سنة، في بيع ''المطلوع'' وحليب ولبن وجبن البقر والمشروبات الغازية
والماء، بدليل أن فاطمة الزهراء التي تدرس بالسنة الأولى متوسط تعترف أن والدها بطال،
ولم تفعل أكثر من اغتنامها للعطلة المدرسية لبيع بعض الحاجيات. فبمنطقة بوراشد مرورا
بواد الفضة وواد سلي بالشلف، وصولا إلى غليزان، يبدأ الطريق يستعيد حقوقه ليأخذ
العلامة الكاملة، نظير الجودة العالية في الإنجاز، سواء تعلق الأمر بنوعية التهيئة
العامة أو طريقة ونوعية تزفيت الطريق بالخرسانة أو من جانب الحقوق الأخرى المتعلقة
باللوحات المختلفة التي تشعر سالكي الطريق بالاطمئنان. فمن الناحية الأمنية ترافقك
لوحات خضراء كتب عليها ''الدرك الوطني يضع في خدمتكم الرقم الأخضر ''1055، وذلك كلما
قطعت بين 20 إلى 30 كيلومترا، وموازاة مع ذلك صادفنا حواجز مراقبة متنقلة للدرك
الوطني عبر نقاط بوراشد، واد الفضة ثم واد سلي بالشلف. ولكن المعلومات التي أكدها لنا
مواطنون وبالأخص سائقي سيارات الأجرة بمنطقة تيبركانين بعين الدفلى والتي تفيد بتعرض
أصحاب عربات ليلا ونهارا لاعتداءات من قبل مجهولين، كانت تضغط علينا للتوقف بحاجز
المراقبة للدرك الوطني بواد الفضة. فحين سألنا أحد الدركيين عن هذه الاعتداءات التي
كبحت إرادة العديد من أصحاب العربات في استعمال الطريق ليلا، قال: ''إن العصابة
المشكلة من مجموعة أشرار نصب لها كمين من قبل فرقة الدرك الوطني لتيبركانين وتم القبض على
كامل أفرادها''. هذا الكلام أكده لنا دركي آخر التقيناه بحاجز المراقبة على مستوى
محول بوقادير ـ الدوادية بالشلف قائلا: ''من حدود واد الفضة إلى حدود غليزان، الطريق
محمي ومؤمن ليلا ونهارا، بدليل وجود وحدة التدخل السريع بواد الفضة''.
الوجه الآخر للقطيعة مع التخلف
أما من ناحية السلامة المرورية، فلسالك الطريق فرصة الوقوف على عديد اللافتات أو
اللوحات المكتوب عليها ''الطريق مراقب.. حذار رادار'' وتكملها لوحات أخرى تؤشر
إلى عدم السياقة في حالة تعب، وهي لافتات تلتقي كلها لخدمة منطق واحد هو التحسيس بخطر
حوادث المرور. وفي مجال الحفاظ على البيئة والمحيط، فاللافتات التي تنبه وترشد سالكي
الطريق السيار، فاقت الأربعين لافتة إلى غاية مدينة مغنية، كتب عليها ''لا ترموا
بفضلاتكم في الطريق''، كما بوسع مستعملي الطريق أن يقفوا لأول مرة على لوحات كتب
عليها ''ممنوع استعمال الهاتف النقال''.
والواقع أن الجزائريين الراغبين في معرفة ولايات غرب البلاد، سيكتشفون لأول مرة أنهم
يسيرون فوق طريق تتوفر فيه مواصفات القطيعة مع التخلف، حيث بوسعك أن تقف على
التقنيات الجديدة المستعملة ضد انجراف التربة، والطريقة التي أنجزت بها الجدران العازلة
للضجيج فضلا عن طريقة التشجير.
وللطريق السيار بولايات الغرب وجهه السياحي أيضا، ولاسيما عندما تمر بمنطقة عين البرد
بسيدي بلعباس، حيث تشدك إليها بجمال بحيراتها وهضابها وروعة مرتفعاتها وأشجارها، وبهذه
المنطقة تجري أشغال بناء محطة خدمات. وحسب المعلومات التي قدمت لنا بوزارة الأشغال
العمومية، فإنه يرتقب إنجاز 42 محطة خدمات عبر كامل رواق الطريق السيار شرق غرب
بكامل المواصفات الدولية، 12 منها ينتظر أن تدخل الخدمة خلال سنة 2012، فيما ينتظر
إنجاز 76 مركزا للراحة، تكون في شكل فضاءات لمستعملي الطريق، مهيأة على نحو يوفّر لهم
كل مستلزمات الراحة، من جانب مواقف السيارات، مطاعم، مراحيض، حمامات وقاعات للصلاة
وأماكن لتجمع العائلات.. الخ، أي بمعدل 3 إلى 4 مراكز في كل ولاية، طالما أن الطريق يعبر
24 ولاية. وقد عهدت عملية صيانة الطريق وإنجاز مراكز الراحة هذه، إلى الوكالة
الوطنية لتسيير الطرق السريعة.
من الجزائر إلى تلمسان لم نلحظ أي ممر علوي ولا أي نوع من أشغال الإنارة العمومية، بل
وقفنا على قلة اللوحات المؤشرة إلى كبريات التجمعات السكانية والمدن، ولم نصادف من
غليزان إلى حدود تلمسان أي حاجز للمراقبة، كما لم نصادف أي حادث مرور، حيث إن اللافت
في الطريق من عين الدفلى إلى تلمسان، هو قلة عدد السيارات والعربات المتنقلة على
مستواه.
الطريق السيار يضيق ويسمح بمرور سيارة واحدة تلو الأخرى بمنطقة (غوليماس) التي تبعد
بنحو 10 كيلومتر عن قلب مدينة تلمسان، حيث الأشغال لا تزال جارية لإنجاز محول خاص بهذه
الولاية، ينتظر أن يستغله بشكل كبير القادمون من سيدي بلعباس باتجاه تلمسان. وقبالة
هذا المحوّل تجري أشغال إنجاز محطة خدمات تتربع على مساحة قدرها 12 هكتارا. وتمتاز ولاية
تلمسان، حسب الجيولوجيين، بصعوبة تضاريسها بدليل أن مقطع الطريق السيار العابر
لترابها، تطلب إنجاز 16 جسرا ضخما، يتراوح طول الواحد منه بين180 و650 متر.
كل شيء مرتب لفتح الحدود مع المغرب
لكن الظاهرة التي تبعث على التساؤل عند دخولنا عاصمة الزيانيين، هي اللوحات الكبيرة
المتعددة على طول مسار الطريق من تلمسان إلى مغنية التي تؤشر إلى عدد الكيلومترات التي
بقيت لدخول المغرب، حيث سجلنا قرابة 15 لوحة كتب عليها ''المغرب'' وأول لوحة لفتت
انتباهنا تلك التي كتب عليها ''المغرب 53 كيلومترا''، وآخر لوحة كتب عليها على بعد
بضعة كيلومترات عن مركز المراقبة المتقدم الحدودي بمغنية ''مدينة وجدة ـ المغرب''، إذ
بعد اجتيازك لهذه اللافتة بنحو 100 متر ينتهي الطريق السيار، حيث نصبت متاريس حديدية
على الطريق مرفقة بلوحة كتب عليها ممنوع المرور.
حاولنا المرور بالاستعانة بدركيين كانوا في حاجز مراقبة على مستوى محور الدوران لقرية
البطيم التابعة للعقيد لطفي، إلا أنهم أشاروا علينا بعدم الدخول، لأنه لم يعد يفصلنا
عن التراب المغربي إلا بضع مئات من الأمتار. وما لحظناه أن الطريق السيار منجز إلى غاية
المتر الأخير من التراب الجزائري وهو ما يعني، أنه من ناحية الأدوات كل شيء جاهز ومرتب
لفتح الحدود مع الأشقاء المغاربة ومد الجسور معهم من جديد، ولم يبق إلا قرار تأتي به
الإرادة السياسية.
محطة خدمات بمواصفات دولية
ملامح الطريق شرق غرب، تجلت لنا أكثر في طريق عودتنا من مغنية إلى شرق البلاد، حيث
توقفنا بأول محطة خدمات دخلت حيز العمل على مستوى الطريق السيار بمنطقة يلل
بغليزان، تتوفر على دكان ومقهى ومصلحة للتسيير ومحطة للوقود بأنواعه ومصلحة أخرى
لتغيير الزيوت، يكتمل معها جناح
لإصلاح العجلات وغسل السيارات وموزع لبنك الجزائر وجناح لمراحيض، بالإضافة إلى مواقف
للسيارات داخل وخارج المحطة زيادة على مصلى، فيما لا تتوفر المحطة بعد على مطعم وعلى
خدمات الهاتف وعلى مصحة، لأن الأشغال لا تزال جارية. وعلى العموم، فإن المحطة تتوفر
فيها المواصفات الدولية تبعا للمقاييس التي أنجزت بها، وهي تشتغل طيلة الـ24 ساعة،
فيما تتواجد على بعد 3 كيلومتر منها محطة متنقلة للتزود بالوقود.
وقد اتضح ونحن نجتاز ولايات معسكر، غليزان، الشلف وعين الدفلى، أن الطريق السيار يخفي
وراءه أحزمة الفقر، على اعتبار أننا التقينا بشباب تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة،
جعلوا من الطريق واجهة لعرض سلعهم من البطاطا والبرتقال وحليب ولبن البقر والماء
والمشروبات الغازية، يعترفون كلهم أن جل أفراد عائلاتهم يواجهون البطالة، ولاسيما
بمعسكر وغليزان، فيما احتل الواجهة أطفال يبيعون الخبز والحليب والماء واللبن والجبن
بولايتي الشلف وعين الدفلى. ولكن في هذا الطريق الذي سيتعرف بواسطته الشرق على الغرب
والعكس صحيح، سيكتشف الجزائريون من خلاله كم هو غني وطنهم، غني بأراضيه وشموسه وهوائه
وجباله ومناظره وبحيراته ومياهه وغني ببرده وحرارته ورطوبته ومناخاته، وكم هم فقراء
وعاطلون ومعطلون، لدرجة أننا نصنع ''قوارب للموت'' توصلنا إلى ضفاف بلدان الصقيع.
فعلى مقربة من وصولنا إلى بئر توتة في طريق العودة، لفت انتباهنا افتقاد الطريق لأي
لافتة أو لوحة تؤشر إلى المدخل المؤدي إلى الطريق شرق غرب، حيث كان يكفي التأشير بعدد
الكيلومترات لاسم المحول الذي يوصلنا إلى الطريق.
مقطع الأربعطاش بوزفزة ينتظر فتحه خلال شهر فيفري
في حدود الساعة الخامسة والنصف مساء، كنا على وشك الوصول إلى خميس الخشنة ببومرداس،
والظلام يزيد من تقليص هامش خياراتنا في الكيفية التي سنسلك بها الطريق السيار باتجاه
شرق البلاد، إلا أنه ولقطع الشك باليقين في قضية فتح المسلك المتبقي من مقطع بوزفزة
الأخضرية، ولاسيما أن الوزارة تقول إنه سيتم تسليمه في غضون شهر، قررنا أن نسلك
المقطع المتبقي منه، وكان الاقتراب من النفق الأول أشبه ما يكون بالمغامرة، على اعتبار
أن سيارتنا هي الوحيدة التي كانت تسير على هذا المنحى، خاصة أن جزءا هاما من
الأربعطاش إلى النفق الأول الذي يبلغ طوله 720 متر، لم يتم تزفيته بعد. وفي حدود الساعة
السادسة كانت الأشغال متواصلة من قبل عمال الشركة الصينية، ولكن بمجرد أن ينتهي
النفق الأول تجد الطريق منجزا بمواصفات عالية التقنية على مسافة 3 كيلومترات، لتصادف
النفق الثاني، حيث الدخول إليه كان بمثابة مغامرة حقيقية، وكنا نخشى أن يعاد
إرجاعنا من قبل أفراد الجيش الوطني الشعبي ممن كانوا يحرسون النفق والأشغال الجارية
رفقة أعوان حراسة آخرين.
عندما دخلنا النفق الثاني للجهة اليمنى الذي يبلغ طوله 1750 متر، لم نكن نرى الضوء
على اعتبار أن المصابيح كانت مطفأة، فيما كانت أرضية النفق متدهورة للغاية، على
اعتبار وجود أخدودين كبيرين على الجانبين، لم يتم تهيئتهما بعد، فيما كانت الحفر على
الأرضية هي السمة الغالبة، ما يجبرك على السير بتأن، خاصة أن ما كنتين لرصّ وتثبيت
جدران النفق كانتا متوقفتين هناك. فالأشغال، على نحو ما وقفنا عليها بالنفق، متأخرة
جدا، فضلا عن أن عددا هائلا من الجسور لايزال بحاجة إلى رتوشات أخيرة لأن العوامل
الطبيعية فعلت فعلتها فيها، ما يعني أن عملية فتح هذا المقطع المتبقي الذي يربط
الأربعطاش بالأخضرية ستستغرق نحو الشهرين إن لم تكن أكثر. ومع نهاية النفق، ينتهي
الطريق، حيث تم نصب متاريس حديدية لمنع مرور السيارات. حاولنا المرور ولكن أعوان
الحراسة أصروا على أن نسلك المنحدر الذي يجتاز منطقة بودربالة على مسافة 6 كيلومتر،
بعد أن طمأنونا على أن كل السكان المقيمين هناك مسلحون، فضلا عن وجود حاجز مراقبة
ثابت لأفراد الجيش الوطني الشعبي.
فتح هذا المقطع يعد انتصارا على'' الميزيرية''
ومع ذلك، فإن الانطباع العام للمواطنين من سالكي مقطع الطريق المفتوح من الأخضرية إلى
الأربعطاش، هو أن فتح هذا المقطع يعتبر انتصارا على ''الميزيرية'' الناجمة عن الازدحام
والانتظار من ساعة إلى ساعتين على مستوى المسلك القديم للأخضرية وحاجز المراقبة
بالرغاية، بينما وصف بعض سائقي سيارات الأجرة العملية بالاستقلال الحقيقي للجزائريين،
على اعتبار اعترافهم بقطعهم لهذا المسلك الجديد من الأخضرية إلى الكاليتوس وباب الزوار
في مدة تتراوح بين 25 و30 دقيقة، وأضافوا أن الفرحة ستكتمل مع فتح الشطر المتبقي
المقطوع إيابا من الأربعطاش إلى الاخضرية، حتى تنفتح آفاق المستقبل أكثر ويتحرر الناس
نهائيا من هاجس الازدحام. ولكن المقطع أعيد غلقه لأسباب تنظيمية وأمنية، للقيام
برتوشات وتهيئة على مستوى أحد الأنفاق المفتقد لمعايير السلامة، وينتظر أن يعاد فتحه
نهاية الشهر الجاري.
واصلنا الطريق ولكن واحدا من الأسئلة كان يضغط بثقله علينا، مفاده، من هي الشركة
التي تولت إنجاز جزء هام من الطريق السيار بالأخضرية، التي لم تراع المواصفات والمقاييس
التي التزمت بها شركات أخرى بشرق وغرب البلاد، على اعتبار أن حالة هذا الجزء متدهورة
من كافة الجوانب، لأن عامل صعوبة التضاريس، لا يمكن اعتباره مبررا لعدم احترام
المقاييس.
حركة مرورية كثيفة ليلا والطريق غير محمي..
من الجسر العملاق لواد الرخام بالبويرة الذي يعد الأكبر على الإطلاق في إفريقيا بطول يصل
إلى745 م وارتفاع يقدر بـ110 متر، إلى برج بوعريريج وصولا إلى سطيف، كان الطريق
السيار كثيفا بالحركة ليلا، ذهابا وإيابا، وبالأخص شاحنات نقل البضائع وحافلات
المسافرين وسيارات الأجرة وباقي السيارات الخاصة بالمواطنين. هذه الصورة تناقض تماما
الحركة التي كان عليها الطريق بولايات الغرب نهارا، ما يترجم معدل النشاط الاقتصادي
المرتفع وفرص العمل والحياة الكثيفة بولايات وسط وشرق البلاد رغم أن شطر الطريق
المفتوح لشرق البلاد، غير مكتمل من ناحية الرتوشات الأخيرة. فماعدا الطريق الذي أنجز
بتقنية عالية حتى حدود ولاية قسنطينة، فإن السير فيه أشبه ما يكون بالسير في الصحراء
أو الخلاء، بدليل أننا لم نعثر ليلا على أي حاجز مراقبة للدرك الوطني من البويرة إلى
قسنطينة ولم نصادف أي لافتة أو لوحة تنبه السائقين إلى مراقبة الرادار ولا تلك التي
ترشدهم وتنبههم إلى عدم رمي الفضلات بالطريق، ولا تلك اللوحات التي تحمل فوقها الرقم
الأخضر 1055 للاتصال بالدرك عند حدوث طارئ ولا تلك التي تمنع السائقين من استعمال الهاتف
النقال، على نحو ما شهدناه في الغرب، كما لم نعثر لا على عمال الصيانة ولا عمال
النظافة.
''جيفة'' الذئاب والخنازير والمواشي..
ولسالك الطريق نهارا أن يقف على مظاهر البضائع والسلع المبعثرة والأوساخ والأغراض
والفضلات ملقاة على جانب الطريق، والأخطر من ذلك، أنه سيعثر على جثث الجيفة لخنازير
وذئاب وثعالب وكلاب وخرفان وقطط وأرانب.. ملقاة هناك لعدة أيام، فضلا عن غياب شريط
التوقف الاضطراري على مستوى أجزاء هامة من الطريق. ولكن المعلومات التي تفيد بوجود
اعتداءات كان ضحيتها سالكو الطريق السيار ليلا ببرج بوعريريج، أرغمتنا على التقرب
من سائق سيارة أجرة من قسنطينة تعطلت سيارته بإقليم تاجنانت بولاية ميلة، حين
سألناه عن الأمر، قال: ''إننا سمعنا بوجود هذه الاعتداءات بمنطقة المنصورة وحمام
البيبان، إلا أني لم ألتق بهؤلاء الأشرار، وكل الاعتداءات طالت مواطنين تعطلت عرباتهم''.
وللإشارة، فإن آخر المعلومات المتوفرة بحوزة وزارة الأشغال العمومية تفيد بأن 16 مركزا
للمراقبة التابعة للدرك الوطني ستدخل الخدمة خلال الأيام المقبلة، على أن يعقبها فتح
16 مركزا آخر في الأشهر المقبلة.
ألف وثلاثمائة دركي و12 مروحية لتأمينه
من مغنية إلى القالة
وكان المكلف بالإعلام والاتصال بقيادة الدرك الوطني السابق، عبد الرحمان أيوب، قد صرح
لـ''الخبر''، في وقت سابق، بوجود تعداد قوامه 1300 دركي سيتولون تأمين الطريق شرق
غرب، من القالة إلى تلمسان، وهو التعداد الذي سيقسم إلى 9 سرايا و22 فصيلة، يتم
توزيعهم على مراكز المراقبة التي ستنجز على مستوى الطريق لتأمينه ليلا ونهارا، حيث
على بعد كل 60 كيلومترا ينجز مركز للمراقبة، تسيره وحدة أو فرقة مدعمة بوسائل
كالسيارات والشاحنات والدراجات النارية وتكنولوجيات جد متطورة. فيما ينتظر أن
تستفيد كل ناحية من البلاد من 3 مروحيات بمجموع 9 مروحيات، ويرتقب لاحقا أن تصل إلى
12 مروحية مدعمة بأجهزة الرادارات، لأجل ضمان تغطية كاملة للطريق السيار شرق غرب.
تسليم المشروع نهائيا في الثلاثي الأول من سنة 2012
هذا الطريق السيار الذي تقول عنه مصادر مسؤولة بوزارة الأشغال العمومية، إنه سيتم
تسليمه نهائيا خلال الثلاثي الأول من سنة 2012، يتوقف الشطر المفتوح منه بمنطقة المريج
الواقعة على بعد 5 كيلومتر عن قسنطينة، حيث وجدنا حواجز حديدية ومتاريس ولافتة كتب
عليها ''ممنوع المرور''، مع آن الطريق منجز إلى غاية النفق الجنوبي الموصل إلى النفق
الشمالي الواقع بجبل الوحش بأعلى الخروب الذي يبلغ طوله 1900متر، فيما يبلغ طول النفق
الثاني الذي يعبر جبل الوحش أيضا 300 متر. حاولنا المرور ولكن دون جدوى، لأن الأوامر
التي قدمت لأعوان الحراسة منعتنا من ذلك، ولو أنهم يقولون إن المقطع الممتد من المريج إلى
نفقي ديدوش مراد سيتم فتحه يوم 5 جويلية .2012 وعلى العموم فإن الجهة الشرقية
للطريق شرق غرب، تتوفر على 3 أنفاق للجهة الواحدة من الطريق بمجموع 6 أنفاق، أطول
هذه الأنفاق على الإطلاق في هذا المشروع هو نفق الكنتور الواقع بين جبل الوحش بولاية
قسنطينة وولاية سكيكدة، بطول يبلغ 2500متر، وأصغرها النفق الواقع عند مخرج منطقة
الخروب يبلغ طوله 200 متر، والأشغال متقدمة بها بشكل كبير، حيث إن النسبة المتبقية من
أشغال مشروع الطريق السيار والمقدرة بـ 5بالمائة منحصرة بين جبل الوحش ومدينة
القالة.
الاستعانة بنظام ''جي بي آس'' لأول مرة في القالة
وعلى مستوى هذا النفق، يواصل عمال شركة ''كوجال'' اليابانية إضرابهم احتجاجا على
عدم استجابة الشركة لمطلب الزيادة في منحة الخطر، مع أن الطرح المتداول بوزارة
الأشغال، هو أن الأشغال على مستوى هذا المقطع توشك على نهايتها ومن حق شركة ''كوجال''
تقليص عدد العمال. وفي عملية تعد الأولى من نوعها في أشغال إنجاز الطريق السيار، تم
الاستعانة بنظام ''جي بي آس'' بمنطقة القالة بالطارف لتمكين شركة ''كوجال'' من
القيام بأشغال تثبيت ورصّ وضغط للتربة في أماكن هشة. وتفيد آخر المعلومات الواردة من
وزارة الأشغال، بأنه سيشرع قريبا في إنجاز مراكز الدفع، ولاسيما أن المناقصات الخاصة بها
قد تم الإعلان عنها قبل شهور، وهي مراكز دفع مسيجة تتواجد على مستوى المحولات، سيفوق
عددها الـ70 مركزا، وينتظر أن يدفع أصحاب عربات الوزن الثقيل 80 بالمـائة من
مستحقات الدفع، على أن يتم إنجاز 10 محطات للصيانة.
بلد الشمس تصنع فيه ''قوارب الموت'' للحاق ببلاد الصقيع
ويقدر عدد منشآت الطريق السيار بـ2957 منشأة، بينها 2115 خاصة بالري، في حين يقدر
عدد الجسور بـ683 جسر، بينها 122 جسر ضخم، فيما وصل عدد الأنفاق إلى 14 نفقا، أما
عدد المحولات فبلغت 76 محولا، بينها 10 محولات تربط الطريق السيار بـ10 موانئ. هذا
الطريق الممتد من الحدود الجزائرية المغربية إلى الحدود الجزائرية التونسية (من مغنية إلى
القالة)، سيخرج ملايين الجزائريين من عزلتهم ويفتح عيونهم على آفاق صيرورتهم المستقبلية،
سيقطعونه في رحلة يلتقون فيها بأنفسهم، ويجربون فيها معنى الوطن.
30 سنة بين الحلم والحقيقة
l استندت السلطات الجزائرية في تقييم شبكة الطرقات، مباشرة بعد العشرية التي أعقبت
استقلال البلاد، إلى الكيفية التي يتوزع بها السكان والنشاطات التي يقومون بها. إذ تأخذ
الشبكة شكلا كثيفا على مستوى المناطق الساحلية، وبدرجة أقل في منطقة الهضاب العليا،
وتزداد تقلصا لتختزل في عدد من المحاور بجنوب البلاد. فمع مطلع سبعينيات القرن الماضي،
أقرت دراسات في مجال التخطيط ضرورة وحتمية إنجاز طريق يعبر الجهة الشمالية لولايات شرق
البلاد باتجاه ولايات الغرب، وزاد من تعزيز هذا الطرح الدراسة التي تمت في إطار المخطط
الرئيسي للطرق الوطنية بين 1975 و1995 والدراسة الوطنية للنقل سنة 1990 والدراسة
التي تمت مرة أخرى في إطار المخطط الرئيسي للطرق الوطنية بين 2005 و2015 وكذا الدراسة
التي تمت في إطار المخطط الوطني لتهيئة المحيط سنة .2005
وتشير مخططات قدمت لنا بوزارة الأشغال العمومية، إلى أن الدراسات القبلية الخاصة
بالطريق السيار تمت سنة 1983، واستقرت خلاصتها على اختيار الرواق الحالي الذي يعبره
الطريق، وأخذت في حسبانها التنبؤات والتقديرات الخاصة بعدد العربات وتطور المؤشرات
الاقتصادية والارتدادات المحتملة للمشروع. وقد صادق مجلس الوزراء في شهر جوان 1987،
بحضور الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، على إنجاز المشروع الذي اختير له رواق طوله 1216
كم ويربط أهم المدن الحدودية الجزائرية المغربية بأهم المدن الحدودية الجزائرية
التونسية، وشرع في إنجازه سنة .2007
فما كان حلما قبل نحو ثلاثين عاما، تحول اليوم إلى حقيقة، ودخلت نسبة تقارب 95 بالمائة
من المشروع الخدمة، وأصبح بالإمكان، خلال ساعات، أن يتعرف الشرق على الغرب والعكس
صحيح، ويتعرف المواطن على وطنه ويتعرف الإنسان على نفسه.
عدد القراءات : 45098 | عدد قراءات اليوم : 163